الأربعاء، 21 مارس 2012

حرب المياه المنتظره

ماذا ينتظر العالم فى هذا القرن حروب المياه أم حروب الغذاء؟

يواجه العالم تصاعدا ملحوظا فى أسعار الغذاء العالمية، هذا التصاعد يشعر به الفقراء وأصحاب الدخول الثابتة حتما، ويرتبط ارتفاع أسعار القمح فى الولايات المتحدة الأمريكية بارتفاع أسعار الغذاء العالمية، والسبب أن الولايات المتحدة أكبر منتج للقمح فى العالم، وفى مطلع هذا العام ارتفعت نسبة أسعار القمح فى أمريكا إلى 75%، وقد تأثر سعر رغيف الخبز الأمريكى بتلك الزيادة فوصل سعره من (2دولار) إلى (10 ,2 دولار)، وفقراء العالم يزدادوا فقرا متأثرين بتلك الزيادة فى سعر رغيف الخبز، فهناك حوالى 2 بليون شخص فقير ينفقون أى ما يقدر بحوالى ( من 50 % الى 70 % ) من دخولهم الضعيفة على الغذاء، مما جعلهم يقلصون من عدد وجباتهم الغذائية إلى وجبتين وفى أغلب الأحوال وجبة واحدة، وموضوعات الأزمة الغذائية والأمن الغذائى هى القوى الخفية التى تحرك القوى العالمية المختلفة، للتواجد فى أماكن مصالحها والأماكن التى توفر لها الأمن الغذائى لبلدانها، فالصين تتواجد بغزارة فى أفريقيا وبالتحديد فى إقليم حوض النيل لتضمن وجود سلة غذاء التى تكفيها، بعد أن أصبح إقليم ميكونج لايكفى لإنتاج الغذاء بما يحقق طموحاتها فى صعودها الصينى المتميز، والصين تنظر حاليا إلى خارج حدودها لاستيراد نوعيات كبيرة من القمح والذرة.
وقد أصبحت موضوعات الندرة وكيفية مواجهتها والقضاء عليها هى العامل الرئيسى فى النظام العالمى، والندرة هنا تشمل المياه والغذاء والطاقة، المكونات الأساسية فى عالمنا هذا.
وترتبط أزمة الغذاء الحالية بأزمة الغذاء فى (2007 – 2008)، ويرتبط إنتاج الغذاء بعدة عوامل مؤثرة أهمها: التغييرات المناخية، والزيادة السكانية، ومن الملاحظ أن الزيادة السكانية العالمية والتى يقابلها قلة الموارد الحيوية لا شك ستؤدى فى وقت لاحق إلى المنازعات والحروب الدولية على تلك الموارد الشحيحة، وذلك إذا لم تتدارك حكومات الدول الموقف سريعا ودراسة إمكانية إيجاد حلول عاجلة للقضاء على الظاهرة. وقد تأثر بتلك الأزمة التى كادت تقضى على الثروة الحيوانية دول مثل الجزائر وروسيا، فقد سارعت تلك الدول الى استيراد ما يمكن استيراده من المحاصيل الزراعية الخاصة بغذاء الماشية للمحافظة على ثرواتهم الحيوانية، وتعانى الهند أيضا من الزيادة فى أسعار الغذاء والتى تصل إلى معدلات تقدر بحوالى 18 % سنويا، والمكسيك تحولت الى استيراد الذرة لتتجنب الأسعار المرتفعة لإنتاجها، وفى 25 يناير أعلنت منظمة الغذاء العالمية التابعة للأمم المتحدة ( FAO) فى ديسمبر 2010، أن مؤشر أسعار الغذاء العالمى قد وصل إلى أعلى معدلاته منذ بدء الأزمة.

أولا- العوامل التى أسهمت فى أزمة الغذاء العالمية
وهناك عاملين متغيريين يصاحبان أزمة الغذاء العالمية، وهما: العرض والطلب، وما يتبعهما من دول تدخل فى مصاف المصدرين ومن دول أخرى أصبحت من المستوردين، وهناك عوامل تتأثر بها الدول التى أصبحت من الدول المستوردة للغذاء نظرا لتعرضها للنقص الغذائى ، وهذه العوامل يمكن إدراجها كالتالى:-

1 – الزيادة السكانية:
عانى العالم من الزيادة السكانية منذ عام 1970 والتى وصلت آنذاك إلى نسبة 2 %، ثم انخفضت منذ 1970 إلى 2010، لتصبح 2 ,1 % سنويا، ولأن التعداد السكانى كان قد تضاعف قبل 1970، فدائما سيكون هناك تزايد ملحوظ بالرغم من هذا الانخفاض النسبى فى أعداد السكان، حيث يزداد السكان فى العالم بواقع قدره (80 مليون طفل سنويا أو بمعدل 219 ألف طفل يوميا)، ومن الملاحظ أن هناك تغيرا أيضا فى نوعية الغذاء التى يقدم عليها السكان، فقد حدث تحول فى زيادة الطلب على اللحوم واللبن والبيض والمحاصيل الأساسية مثل: القمح والأرز والذرة، والصين حاليا تستخدم كميات لحوم يوازى ضعف استخدامات الولايات المتحدة من اللحوم.

- الزيادة السكانية والحاجة المستمرة لإنتاج الطاقة العضوية
هناك إرتباط دائم بين الزيادة السكانية وبين الحاجة المستمرة للتنمية، وترتبط التنمية بتوافر الطاقة اللازمة لإدارة عجلة الإنتاج، ولذلك يتجه العالم إلى التسابق على البحث عن مصادر الطاقة والطاقة البديلة، وقد بدأت تظهر حاليا الحاجة الى إنتاج الإيثينول فى أنحاء كثيرة من العالم مما أدى إلى تراجع إنتاج المحاصيل الغذائية فى مقابل إنتاج هذه السلعة.

والولايات المتحدة تستخدم المحاصيل لإنتاج وقود السيارات ففى عام 2009، فعندما حصدت الولايات المتحدة 416 مليون طن من المحاصيل الزراعية الرئيسية، استخدمت منها حوالى 119 مليون طن لإنتاج الإثينول ethanol الذى يستخدم فى إنتاج الطاقة لوقود السيارات، وفى عام 2010، أنتجت الولايات المتحدة ما يعادل 400 مليون طن من المحاصيل الزراعية، استخدمت منها 126 مليون طن لإنتاج الإيثانول، مما ساهم فى الربط بين معدلات أسعار الغذاء وأسعار الوقود.
والبرازيل، هى الأخرى تستخرج الإيثانول من قصب السكر وتعد المنتج الثانى له بعد الولايات المتحدة, وأوربا، تستخدم السيارات بها وقود الديزل، ولذلك تتجه أوربا لزراعة نخيل الزيت، وكذلك بذور اللفت rapeseed، وبحلول عام 2020 سوف تكون أوربا قد اتجهت لتحويل 10% من أراضيها الزراعية لإنتاج المحاصيل التى تدخل فى صناعة الإيثانول.

ومن الملاحظ أن هذا التزايد فى الطلب على الوقود الغذائى يقلل من مساحة الأراضى المزروعة والمخصصة لإنتاج الغذاء فى مقابل زراعة النباتات التى يستخرج منها الإثينول بمساحات واسعة، وقد أدت هذه السياسات الى إحداث خلل بيئى فى بعض المناطق فعلى سبيل المثال نجد أن كلا من: أندونيسيا وماليزيا عمدتا إلى استبدال الغابات الطبيعية بمناطق لزراعة محاصيل نخيل الزيت، كما أدى زيادة الطلب المستمر على هذه النوعية من المحاصيل المنتجة للطاقة إلى تضاعف حجم إنتاجها ليصل من 21 مليون طن سنويا منذ عام 1990 – عام 2005، إلى 41 مليون طن سنويا منذ عام 2005 – 2010، ونتيجة لهذا الحجم الهائل من الإنتاج فقدت قدرتها الإنتاجية، مما أدى بدوره إلى ظهور مناطق بأكملها ظهرت من خلال صور الأقمار الصناعية وكأنها بقع لمساحات كبيرة صفراء فى مناطق مثل: شمال غرب الصين، وغرب منغوليا، ووسط آسيا, ووسط أفريقيا، وقد ساهم فى تجريف الأرض الرياح الرملية، حتى أدى هذا الخلل البيئى إلى بوار الأراضى الزراعية فى حوالى 24 ألف قرية هجرها سكانها فى شمال الصين، وقد أدت تعريبة التربة soil erosion المستمر إلى اختفاء بعض المحاصيل الزراعية تماما فى دول مثل منغوليا ، وليسوتو Lesotho.

2- الزحف الصناعي على الأراضي الزراعية:
هناك مشكلة أخرى تعترض زراعة المحاصيل الزراعية فى مناطق بعينها؛ مثل الزحف للمنشآت الصناعية على الأراضى الزراعية، ومد الطرق السريعة المحيطة بها ثم دفن النفايات، كل هذه الأفعال أدت إلى تجريف الأرض الزراعية فى دول مثل مصر والهند والصين.

3- ظاهرة تزايد المدن الحديثة:
هناك اتجاه إلى نشأة مدن جديدة خارج نطاق العواصم والمدن القديمة فى العديد من الدول حتى يمكن أن تستوعب التزايد السكانى، ومشكلة المدن الحديثة أنها تتطلب مياه كثيرة للشرب والرى، وهذا يعنى قلة المياه التى يمكن أن تستخدم فى الزراعة، وقد اهتمت دول عدة بهذا التخطيط العمرانى الجديد بصرف النظر عن العواقب، مثل دول كل من: العديد من بلدان الشرق الأوسط، وشمال الصين وجنوب غرب الولايات المتحدة ومصر ومعظم ولايات الهند.

4- التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة:
تقف هذه المشكلة حائلا أمام زراعة المحاصيل التى تحتاج لمياه غزيرة كالأرز، والذى يعد محصولا هاما يستخدم عوضا عن الخبز فى معظم دول آسيا، ويرى الباحثون أن أمام ارتفاع درجة الحرارة درجة واحدة مئوية يقابلها نقص فى المساحة المزروعة بنسبة 10%، وذلك نظرا للندرة المائية وهلاك بعض المحاصيل.

ثانيا – الأمن الغذائى والتحديات التى يواجهها
هناك تهديدات تواجه الأمن الغذائى فى أنحاء العالم هذه التهديدات تتعلق بذوبان الجليد فى جبال الهيمالايا، وهضبة التبت، فبالرغم من أن هذا الذوبان أنقذ محاصيل فى دول عدة لأن أنهارها امتلأت بعد أن كاد تهدد المحاصيل التى ترويها بالجفاف مثل أنهار كل من: الهندوس والجانجز واليانجز والأنهار الصفراء، إلا أن استمرار ذوبان الجليد على المدى الطويل فى أماكن من العالم عدة؛ مثل جرين لاند، والقارة المتجمدة Antarctica فى الدائرة القطبية وغير الآهلة بالسكان، سوف يؤدى حتما إلى ارتفاع منسوب البحار إلى حوالى 16 قدما خلال هذا القرن، مما سيتسبب فى غرق أماكن كثيرة من العالم، مثل جزيرة الأرز فى بنجلاديش، إلى جانب اختفاء جزء كبير من دلتا ميكونج التى تنتج نصف محصول الأرز فى فيتنام، ومن الملاحظ أن هناك حوالى 19 دلتا تنتج الأرز ومن المتوقع لها أن تضمحل أو تختفى بنهاية القرن الحالى، وهذا سوف يؤدى بدوره إلى استمرار تواصل ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، والذى سيقابله زيادة مستمرة فى الطلب على إنتاج المحاصيل الزراعية، ولقد ظلت الولايات المتحدة من منتصف العشرينات وحتى 1995 تهتم بزراعة المحاصيل الزراعية وقد ساهمت فى مكافحة العديد من المجاعات. ومن الملاحظ أن هناك عاملين أساسيين يرتبطا بأسعار الغذاء العالمى وهما: العرض والطلب، ونحن هنا أمام زيادة فى الطلب تقابلها قلة فى العرض، ومع ارتفاع درجات الحرارة وقلة المحاصيل فلابد أن يصاحب هذه العوامل المتغيرة ارتفاع فى السلع الغذائية والمنازعات على المياه وربما حروب المياه.



ثالثا – العلاقة بين أزمة الغذاء العالمى وأزمة المياه (الشح المائى)

مما لاشك فيه أن هناك انخفاضا نسبيا وندرة فى مياه الأنهار، حتى أن مستوى المياه الجوفية أو المخازن الصخرية فى باطن الأرض أو ما يعرف بال aquifers – نجد أنها تعرضت أيضا لهذه الندرة النسبية، وهذه المياه تستخدمها العديد من الدول كبديل لمياه الأنهار والبحيرات مثل :الأردن، مما يجعل هناك أزمة حقيقية وصعوبة فى إيجاد بدائل أخرى، والمياه ترتبط بالزراعة فلايمكن الزراعة بدونها، ونقص المياه يعنى نقص إنتاج المحاصيل الزراعية، ويعنى أيضا أزمة عالمية للغذاء.

والعالم العربى ليس ببعيد عن هذه الأزمة ( سوريا – العراق – اليمن – المملكة السعودية)، وهذه الأخيرة تعتمد على المياه الجوفية لزراعة القمح ولتحقيق إكتفائها الذاتى، ففي الفترة ما بين 2007 و2010 هبط إنتاج السعودية من القمح إلى أكثر من ثلثى إنتاجها الأصلى، ويتوقع الخبراء أنه بحلول عام 2012 سيتوقف إنتاج القمح فى المملكة وسوف تعود لاستيراد القمح.

والهند تعانى هى الأخرى من الشح المائى فطبقا لتقرير البنك الدولى 2009، فإن هناك 175 مليون شخص يحصلون على غذائهم من خلال السحب الإضافى من المياه الجوفية.

وفى الصين نجد أن الاعتماد على المياه الجوفية يوفر الغذاء لـ 130 مليون شخص.

وفى الولايات المتحدة نجد أن المناطق الزراعية فى كل من كاليفورنيا وتكساس تعانى من نقص الأراضى المروية.

وفى اليابان التى كانت تعد أولى الدول فى زراعة الأرز، توقفت زراعتها للأرز منذ 14 عاما.

أما جنوب كوريا والصين، فإنهم فى سبيل اللحاق باليابان.

وفى أوربا نجد زراعة القمح قد اختفت تماما فى دول مثل فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، وهذه الدول كانت تشكل 20% من الإنتاج العالمى للقمح.

ومما يتضح نخلُص إلى أن الأزمة الغذائية وأزمة المياه هما وجهان لعملة واحدة، وأن المنازعات المائية كانت السبب وراء اندفاع دول مثل الصين والسعودية وحتى الإمارات أن تبحث عن سلال لغذائها والتى وجدتها فى أفريقيا وبالتحديد فى إقليم حوض النيل، ومن المنتظر أن تتحول مناطق كثيرة من أفريقيا إلى سلال غذاء للغرب، ووضع اليد على الأراضي وهى ظاهرة جديدة تسمى الـland Grab أو الأراضى المنزوعة، وهى عبارة عن تأجير الأراضي الزراعية لدول أجنبية لمدد تصل إلى 99 عاما، وهى شكل من أشكال الاستعمار الاقتصادى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق