الأربعاء، 21 مارس 2012

مياه النيل والصراع حولها


اذا كان النفط هو محور الصراع في الكثير من الحروب التي نشبت في إفريقيا وبقية العالم، فإن المياه هي الأخرى اصبحت هدفا لأطماع العديد من الدول نتيجة النقص الحاد في مصادر المياه مما استنفر الصندوق العالمي لحماية المياه الذي اصدر تقريرا كشف فيه أن أنهار العالم تواجه خطر الجفاف ، وفي مقدمتها نهر النيل، كما أوضح أن حوالي 700 مليون شخص في 43 بلدا يعانون من ندرة المياه، وأنه بحلول عام 2025 قد يتضاعف هذا الرقم ليصل إلى ما يربو عن 3 بلايين شخص، مما ينذر بأن الحروب القادمة في أفريقيا ستكون من أجل السيطرة على موارد المياه.

يعتبر خبراء المياه ان القارة السمراء تشهد اسوء حالات تلوث المياه الصالحة للشرب والذي نتج عنه تفشي الأمراض والأوبئة، حيث أن استهلاك الفقراء للمياه الغير صالحة يتسبب في هلاك أكثر من ثلاثة ملايين افريقي سنويا.
أنهار العالم في خطر

أخطر ما في تقرير الصندوق العالمي لحماية الطبيعة الذي صدر في مارس 2007 بجنيف ، أن هناك أنهاراً رئيسية كثيرة في العالم تواجه خطر الجفاف بسبب بناء السدود والذي من شأنه أن يؤثر على تدفق مياه الأنهار والحياه البحرية، بينما يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تغيير القواعد التي عاشت في ظلها الأنهار لآلاف السنين.
وما يهمنا في هذا التقرير ، ما يتعلق بمشاكل المياه التي تنذر بتوتر الأوضاع في افريقيا خلال السنوات القادمة نتيجة النزاع المتوقع على موارد المياه المحدودة والمتمثلة في نهر النيل ومجموعة من الآبار الجوفية.
وقد حدد التقرير عشرة أنهار في العالم بينها النيل والريو جراند والدانوب، بوصفها أسوأ ضحايا سوء التخطيط وعدم كفاية الحماية.
ونقلت مصادر صحفية عن جامي بيتوك، مدير برنامج المياه في الصندوق قوله: "إن الأنهار لم تعد تصل بانتظام إلى البحار مثل نهر الهندوس في باكستان ونهر النيل في إفريقيا والريو غراند.. وهناك ملايين الأشخاص يتعرض مصدر رزقهم للخطر.. وقال إن الأنهار هي المصدر الرئيسي في العالم للمياه العذبة وان نحو نصف الإمدادات المتوفرة حاليا تستخدم بالفعل".
وقد ألمح التقرير إلى تهديدات أخري تنذر بحرب قادمة من أجل البقاء، أهمها الخطر الذي يلاحق الثروة السمكية وهي اكبر مصدر للبروتين وبمثابة عون كلي لحياة مئات الآلاف من المجتمعات في كل أنحاء العالم تتعرض أيضاً للتهديد، وبينما تخضع المناطق القاحلة وشبه القاحلة لضغوطات كبيرة، فمن المتوقع أن تشهد من ناحية ثانية استمراراً في الزيادة السكانية، إذ تفيد التقديرات بأن ثلثي سكان العالم سيقيمون، خلال أقل من 25 عاماً، في بلدان تواجه مشاكل جدية في الإمداد بالمياه، بالأخص في أفريقيا الشمالية والشرق الأوسط وغرب أسيا.

من جهة أخري، قال كويشيرو ماتسورا المدير العام لليونسكو، في رسالة متزامنة مع هذا التقرير وجهها من باريس: "إن التناقص القائم في هذه الموارد والتنافس المتزايد الذي يثيره، يهددان السلم ومهمة القضاء على الفقر، ولذلك ينبغي التأكيد على ضرورة العمل على أن يصبح هذا المورد الحيوي موزعاً بشكل أكثر نجاعة وإنصافاً".
وأضاف ماتسورا: "إن النقص في المياه لا يشكل فقط انعكاساً لقلة الموارد المائية، وإنما هو امتداد للمشاكل القائمة على مستوى الإدارة والسياسات المعتمدة"، مشيرا إلى المناطق الجافة وشبه الجافة على كوكبنا بقوله: "رغم أن النقص في المياه لا يهدد حصراً المناطق القاحلة وشبه القاحلة، بيد أن الشروط المناخية وسوء الممارسات تعرّض هذه المناطق بشدة لهذا النقص".
حروب المياه في أفريقيا

إذا نظرنا إلى مصادر المياه في أفريقيا والتي تتمثل في مجموعة من الأنهار والبحيرات أهمها نهر النيل، والنيجر، ونهر الفولتا، ونهر زامبيزى ، نجد أنها مشتركة بين مجموعة من الدول، ومقسمة بينها بحسب عدد السكان، الذي يتزايد بشكل مستمر، وفي المقابل ترتفع معه حاجة السكان إلى المياه التي لا يمكن الاستغناء عنها بأى حال من الأحوال، مما يفتح الباب على مصراعيه إلى نشوب الكثير من الصراعات والحروب بين الدول .
ويجرى نهر النيل في مصر والسودان ضمن تسع دول أفريقية ويخدم 150 مليون شخص، ومن المتوقع ان يرتفع عدد السكان حوله إلى حوالي 340 مليون شخص بحلول عام 2050 مما يهدد العلاقات بين هذه الدول. أما نهر الكيتو ، والذي يمر في بوتسوانا، ناميبيا وأنجولا في جنوب قارة أفريقيا يعتبر مصدر توتر في العلاقات بين الجيران.

وفي وسط وغرب أفريقيا، يعتمد 20 مليون شخص في ست دول على بحيرة تشاد فقط ، والتي قلت مياهها بمقدار 95% في خلال الـ 38 عامًا الماضية؛ مما قد يهدد بأزمة سياسية أخرى بين هذه البلاد.

وفي المقابل تعاني 13 دولة في أفريقيا من ندرة أو ضغط المياه، وستنضم إليهم 12 دولة أخرى بحلول عام 2025.
واقع أليم
في تقري اخر صدر عن برنامج الأمم المتحدة للمياه وحفظ الصحة العامة في شهر مارس 2007 بمناسبة اليوم العالمي للمياه حذر من كارثة إنسانية تنتظر القارة السمراء وتهدد باندلاع المزيد من الحروب والصراعات من أجل الحصول على قطرة المياه، . حيث أكد الحقائق التالية:
1- يعاني حوالي 700 مليون شخص في 43 بلدا من ندرة المياه، وبحلول عام 2025 قد يزداد هذا الرقم ليصل إلى ما يربو عن 3 بلايين شخص.
2- يفتقد أكثر من 300 مليون شخص في إفريقيا الحصول على المياه النقية والتسهيلات الخاصة بوسائل حفظ الصحة العامة.
3- تعد إفريقيا أقل القارات في العالم في إمكانية وصول خدمة شبكاتها لتقديم مياه نقية أو صحية.

4- يعاني نصف سكان إفريقيا من الأمراض المتصلة بالمياه غير النقية أو الصحية.
5- هناك 40 دولة في العالم وردت في قائمة الدول التي تعاني من أزمة المياه نصفها دول إفريقية.
6- تضم القائمة الخاصة بالـ 13 دولة الأكثر معاناة وتضرراً بين أزمة المياه 9 دول إفريقية هي: جامبيا، جيبوتي، الصومال، مالي، موزمبيق، أوغندا، تنزانيا، أثيوبيا، إريتريا.
7- تعاني 31 دولة، غالبيتها في أفريقيا والشرق الأوسط حاليا من ضغط أو قلة المياه، وسيصل العدد - كما تشير التوقعات - إلى 48 دولة مع حلول عام 2025، أي أن 2 من 3 أشخاص سيواجهون مشكلة ندرة المياه عام 2025؛ حيث ستكفي المياه لاستهلاك 35% فقط من سكان الأرض.
8- يعيش الفرد من سكان الدول الإفريقية على أقل من 10 لترات من الماء (أي 2.6 جالون) يوميا، وهي ظروف يائسة جدا، مقارنة بسكان بقية الدول المتضررة من الأزمة التي كان متوسط نصيب الفرد اليومي في استخداماته للمياه قد بلغ 30 لترًا (أي 8 جالونات).
وفي المقابل تقدر احتياجات الفرد العادي من المياه يوميا بـ 50 لترًا (أي 13.2 جالونا) تشمل 5 لترات للشرب، و20 لترًا للاستخدامات الصحية، و15 لترًا للاستحمام، و10 لترات للطهي وإعداد الطعام.
مجاعة حقيقية
حروب المياه القادمة لها أبعاد أكثر خطورة، فهي لا تقتصر على تهديد البشرية بعدم حصولهم على نقطة مياه نظيفة للشرب فقط، بل تمتد إلى تهديدهم بوقوع مجاعة حقيقية نتيجة لندرة المياه المستخدمة في الزراعة التي تمثل العمود الفقري لاقتصاد البلاد، لأنها تمثل الركيزة الأساسية والجوهرية التي تعتمد عليها خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية .
وإذا نظرنا إلى كمية المياه التي تحتاجها الزراعة، فقد أكدت إحصائيات الأمم المتحدة عام 2003 أن الزراعة تستحوذ على 80% من مخزون المياه ؛ حيث يُستهلك 1000 طن من المياه لإنتاج كل طن من الحبوب.. وترتفع نسبة الاستهلاك في أفريقيا وأسيا، نظرا لارتفاع درجات الحرارة.

أما عن كمية المياه المطلوبة لإنتاج مقدار الاستيراد السنوي لحبوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فإنها تعادل مجرى نهر النيل السنوي، كما أن حجم المياه المطلوب في عام 2025 سيزيد بمقدار50%؛ بسبب العدد السكاني المتزايد والبحث الدائم عن مستوى زراعي أفضل.

وتشير التقديرات إلى نقطة أكثر خطورة، إذ أنها تؤكد أن الندرة الفائقة في المياه ستؤدي إلى تقليل طعام العالم بنسبة 10%، ويؤدي ذلك إلى ارتفاع في أسعار المحاصيل والذي قد يشكل مشكلة حقيقية لـ 103 مليون شخص يمثل دخلَهم دولار واحد أو أقل يومياً.
نصف البشر محروم
كشفت تقارير للأمم المتحدة عن أرقام مخيفة تنذر بخطر محقق ينتظر البشرية، وبالأخص سكان القارة السمراء؛ حيث أكدت أنه بحلول عام 2025 فإن نصف سكان الكرة الأرضية لن يجدوا مياه نظيفة، وأن حوالي 84 دولة سيعانون نقصا حادا في موارد المياه، وأن الدول الفقيرة ستكون أكثر معاناة من غيرها.. فبينما تكون حصة الفرد في إنجلترا من المياه تعادل 150 لترًا يوميًا.. مقارنة مع 10 لترات فقط للفرد بما فيها الشرب والطهي والغسيل في بعض اجزاء العالم المحروم.
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@222222222



وهذا تعريف باتفاقية مياه النيل :
================


تفاقية مياه النيل أو مبادرة حوض النيل ، هي إتفاقية أبرمتها الحكومة البريطانية -بصفتها الاستعمارية- نيابة عن عدد من دول حوض النيل (أوغندا وتنزانيا و كينيا)، في عام 1929 مع الحكومة المصرية يتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه‏ النيل، وإن لمصر الحق في الاعتراض (الفيتو) في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده، وتبع هذا اتفاقية مصرية سودانية عام 1959 تعطي لمصر حق استغلال 55 مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل 83 مليار متر مكعب تصل إلى السودان ليتبقى للخرطوم 18 مليار متر مكعب من مياه النيل.

وكانت بريطانيا وقعت نيابة عن مصر معاهدة في عام 1929، ووقعت مصر بعدها اتفاقية عام 1959 مع دول الحوض، والتي تضمنت بند الأمن المائي، الذي يقضي بعدم السماح بإقامة مشروعات على حوض النيل إلا بعد الرجوع إلى دولتي المصب. يذكر أن محكمة العدل الدولية، التي ينوى البرلمانيون رفع الدعوى القضائية أمامها، كانت قد قضت عام 1989 ةبأن اتفاقيات المياه شأنها شأن اتفاقيات الحدود، ولا يجوز تعديلها. وتضم مبادرة حوض النيل دول مصر والسودان وأوغندا وإثيوبيا والكونغو الديمقراطية وبوروندي وتنزانيا ورواندا وكينيا واريتريا. .

وفي فبراير 1999 تم توقيع مبادرة حوض النيل بين دول حوض النيل العشر، بهدف تدعيم أواصر التعاون الإقليمي (سوسيو- إجتماعي) بين هذه الدول. وقد تم توقيها في تنزانيا.


والحقيقة أن الدور الإسرائيلي الخفي في أزمة مياه النيل له أبعاد تاريخية قديمة، وظهرت الفكرة بشكل واضح في مطلع القرن العشرين عندما تقدم الصحفي اليهودي تيودور هرتزل ـ مؤسس الحركة ـ عام 1903 م إلى الحكومة البريطانية بفكرة توطين اليهود في سيناء واستغلال ما فيها من مياه جوفية وكذلك الاستفادة من بعض مياه النيل، وقد وافق البريطانيون مبدئياً على هذه الفكرة على أن يتم تنفيذها في سرية تامة.

ثم رفضت الحكومتان المصرية والبريطانية مشروع هرتزل الخاص بتوطين اليهود في سيناء ومدهم بمياه النيل لأسباب سياسية تتعلق بالظروف الدولية والاقتصادية في ذلك الوقت.

مشاريع لاستغلال مياه النيل

في الوقت الراهن يمكن القول إن هناك أربعة مشاريع أساسية يتطلع إليها الإسرائيليون بهدف استغلال مياه النيل:

1ـ مشروع استغلال الآبار الجوفية:

قامت إسرائيل بحصر آبار جوفية بالقرب من الحدود المصرية، وترى أن بإمكانها استغلال انحدار الطبقة التي يوجد فيها المخزون المائي صوب اتجاه صحراء النقب، وقد كشفت ندوة لمهندسين مصريين أن إسرائيل تقوم بسرقة المياه الجوفية من سيناء وعلى عمق 800 متر من سطح الأرض، وكشف تقرير أعدته لجنة الشؤون العربية بمجلس الشعب المصري في يوليو 1991 م أن إسرائيل تعمدت خلال السنوات الماضية سرقة المياه الجوفية في سيناء عن طريق حفر آبار إرتوازية قادرة؛ـ وذلك باستخدام آليات حديثة ـ على سحب المياه المصرية.

2 ـ مشروع اليشع كالي:

في عام 1974 م طرح اليشع كالي ـ وهو مهندس إسرائيليـ تخطيطاً لمشروع يقضي بنقل مياه النيل إلى إسرائيل، ونشر المشروع تحت عنوان: (مياه السلام) والذي يتلخص في توسيع ترعة الإسماعيلية لزيادة تدفق المياه فيها، وتنقل هذه المياه عن طريق سحارة أسفل قناة السويس بعد اتفاقيات السلام لتنفيذ المشروع.

3 ـ مشروع يؤر: قدم الخبير الإسرائيلي شاؤول أولوزوروف النائب السابق لمدير هيئة المياه الإسرائيلية مشروعاً للرئيس أنو سادات خلال [مباحثات كامب ديفيد] يهدف إلى نقــل مياه النيل إلى إسرائيل عبر شق ست قنوات تحت مياه قناة السويس وبإمكان هـذا المشروع نقل 1 مليار م3، لري صحراء النقب منها 150 مليون م3، لقطاع غزة، ويرى الخبراء اليهـود أن وصول المياه إلى غزة يبقي أهلها رهينة المشروع الذي تستفيد منه إسرائيل فتتهيب مصر من قطع المياه عنهم.

4 ـ مشروع ترعة السلام (1):

هو مشروع اقترحه السادات في حيفا عام 1979م، وقالت مجلة أكتوبر المصرية: "إن الرئيس السادات التفت إلى المختصين وطلب منهم عمل دراسة عملية كاملة لتوصيل مياه نهر النيل إلى مدينة القدس لتكون في متناول المترددين على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط المبكى".

وإزاء ردود الفعل على هذه التصريحات سواء من إثيوبيا أو المعارضة المصرية ألقى مصطفى خليل رئيس الوزراء المصري بياناً أنكر فيه هذا الموضـوع قائلاً: "عندما يكلم السادات الرأي العام يقول: أنا مستعد أعمل كذا فهو يعني إظهار النية الحسنة ولا يعني أن هناك مشروعاً قد وضــع وأخـذ طريقه للتنفيذ !!.

دور خفي للسيطرة علي النيل

وتطمع إسرائيل في أن يكون لها بصورة غير مباشرة اليد الطولى في التأثيــر على حصة مياه النيل الواردة لمصر وبدرجة أقل السودان؛ وذلك كورقة ضغط على مصر للتسليم في النهاية بما تطلبه إسرائيل، بل إن للخبراء الصهاينة لغة في مخاطبة السلطات الإثيوبية تتلخـص في ادعـــاء خبيث يقول أن حصص المياه التي تقررت لبلدان حوض النيل ليست عادلة؛ وذلك أنها تقررت في وقـت سابــق على استقلالهــم، وأن إسرائيــل كفيلة أن تقدم لهذه الدول التقنية التي تملكها من ترويض مجرى النيل وتوجيهه وفقاً لمصالحها".

من أجل ذلك تتوارد الأنباء والأخبار عن مساعدات إسرائيلية لإثيوبيا لإقامة السدود وغيرها من المنشآت التي تمكنها من السيطرة والتحكم في مياه النهر.

ولقد دأبت العواصم المعنية بدءاً من أديس أبابا مروراً بالقاهرة وانتهاء بتل أبيب على نفي هذه الأنباء. والاحتمال الأرجح هو تورط (إسرائيل) بالمشاركة في مساعدة إثيوبيا في إنشاء السدود على النيل الأزرق.
 المصدر : http://masrstars.com/vb/showthread.php?t=33981 - masrstars.com
======================
المياه وتوزيعها وفقا للقانون الدولي المتعلق بتنظيم مياه الأنهار
استوكهولم: فاخر جاسم *
صدر كتاب جديد للباحث العراقي في شؤون المياه، المهندس صاحب الربيعي، بعنوان «صراع المياه وأزمة الحقوق بين دول حوض النيل»، يتناول فيه الجوانب الطبوغرافية والاقتصادية والسياسية لنهر النيل، وصراع دول الحوض العشر ـ اثيوبيا واوغندا واريتريا وبوروندي وتنزانيا ورواندا وزائير والسودان وكينيا ومصر، لاقتسام موارد الحوض المائية. يتضمن الكتاب خمسة فصول، إضافة الى مجموعة من الجداول والاشكال. في المدخل يشير الباحث الى اهمية الدراسة، كونها تتناول اكبر وأهم مصدر للموارد المائية في افريقيا، وان منطقة حوضه تشهد كثافة سكانية عالية، حوالي 300 مليون نسمة، تعاني، بعض دوله، من موجات مجاعة قاسية، بين فترة واخرى، خاصة اثيوبيا التي تزود نهر النيل بـ84 في المائة من مياهه.
الفصل الاول تعرض فيه المؤلف لموضوعين; الاول تناول فيه بشكل مفصل طبوغرافية حوض النيل، مشيرا الى انه يعتبر من اطول الانهار في العالم من حيث المجرى (7880كم) وثاني اكبرها حوضا، حيث تبلغ ايراداته السنوية اكثر من 100 مليار متر مكعب. ويغطي حوضه 3 ملايين كم مربع، اي حوالي عشر مساحة افريقيا، مستعرضا اهم الآراء التي فسرت التغييرات التي طرأت على مجرى النيل في مصر منذ نشأته، والثاني الصراع على المياه في دول الحوض. وأهم ما يميز هذا الصراع عن صراعات الاحواض المائية الاخرى في العالم، تكمن بكون دولة المصب، مصر، هي التي تتحكم بمجريات ادارة الصراع وتملك الوسائل له. فدولة المصب، المستثمر الاكبر للمياه وتمتلك «الاسس القانونية والسياسية لذلك الاستثمار»، (كما يقول المؤلف ص 32). ويوجز المؤلف اسباب تزايد وتيرة الصراع بين دول الحوض بما يلي:
1 ـ تزايد حصة مصر والسودان من المياه.
2 ـ اثيوبيا دولة المنبع التي ترفد نهر النيل بالكمية الاكبر من مياهه ليس لديها نصيب معقول وعادل من المياه.
3 ـ العامل السياسي والتحريض الذي تمارسه الدول المعادية للمصالح العربية، خاصة اسرائيل، على دول المنبع.
4 ـ فشل دول الحوض ـ لحد الآن ـ في التوصل الى صيغة شاملة لتقسيم المياه وضبطها وتوزيعها وفقا للقانون الدولي.
وتناول الكتاب في الفصل الثاني، الموارد المائية واستخدامها في دول الحوض. ففي ما يخص مصر، فإن نهر النيل يعتبر المصدر الرئيسي لمواردها، حيث يسد حوالي 75 في المائة من احتياجاتها المائية. ويقدر الباحث وجود فائض مائي لمصر بمقدار (4 مليارات متر مكعب) عام 2000، حيث بلغ اجمالي الموارد المائية (74.5 مليار متر مكعب والاحتياجات 70.5 مليار متر مكعب). ويرجع المؤلف سبب ذلك الى المنشآت المائية التي اقامتها مصر كالسد العالي وتوشكى. كذلك يوجد فائض في الموارد المائية في السودان يقدر بـ2.8 مليار متر مكعب، لنفس السنة. اما اثيوبيا وبقية دول حوض النيل الاستوائية، فرغم انها لا تعتمد على مياه النيل كثيرا، إلا انها تمتاز بغزارة الموارد المائية الآتية من هطول الامطار.
* مفاهيم قانونية
* يستعرض الباحث في الفصل الثالث، الاتفاقيات الدولية ومواقف دول حوض النيل منها، وأوجه الخلاف بين دول الحوض ومشاريع تنمية الموارد المائية. ففي ما يخص موقف دول الحوض من الاتفاقيات الدولية حول تقاسم مياه نهر النيل، يرى المؤلف ان الموروث الاستعماري (اغلب الاتفاقيات عقدت بين الدول الاستعمارية ـ بريطانيا وفرنسا وايطاليا ـ والخلافات الحدودية) ساهم في تعقيد الخلاف بين دول الحوض، الامر الذي ادى الى تمحور الصراع حول مفاهيم قانونية «الحق الشرعي» و«الحق المكتسب» ومبدأ «نظرية الاكراه» و«نظرية تغير الظروف». ويشير المؤلف الى عدم شرعية مواقف بعض دول الحوض التي ترفض مبدأ التوارث الدولي في ما يتعلق بالمعاهدات الدولية، لأن ذلك يتعارض مع قواعد القانون الدولي حسب اتفاقية «فيينا» لعام 1978 بشأن التوارث الدولي للمعاهدات، وكذلك ميثاق منظمة الوحدة الافريقية لعام 1963. ويرى الباحث شرعية موقف مصر بخصوص حقوقها التاريخية المكتسبة من مياه حوض النيل، لانه يتفق مع القانون الدولي حول الانهار الدولية.
* المياه والحروب
* اما في ما يتعلق بمشاريع تنمية الموارد المائية في حوض النيل، فيعتبر المؤلف مشروع تحويل مياه نهر الكونغو عبر النيل الى مصر من اهم سبل تنمية الموارد المائية، نظرا للامكانية العملية لتنفيذه وانخفاض كلفته الاجمالية، اضافة الى عدم تأثيره على الموازنة المائية للدول المستفيدة منه في الوقت الحاضر (الكونغو وزائير) حيث تذهب 80 في المائة من مياهه هباء الى المحيط الاطلسي. كما ان تنفيذ هذا المشروع يساهم في حل مشكلة شحة المياه في بعض دول منطقة الشرق الأوسط، حيث يمكن تحقيق مشروع نقل المياه من السودان الى السعودية.
يتناول الكتاب في فصله الرابع، التلوث المائي في نهر النيل والموازنة المائية في دول الحوض. وفي ما يتعلق بالتلوث يشير المؤلف الى مخاطره على البيئة الطبيعية والسكان، ويحدد بشكل علمي اسبابه والاجراءات البيئية المطلوبة للحد من تأثيراته السلبية، خاصة على زيادة التصحر. وبخصوص الموازنة المائية يؤكد الباحث ضرورة الاستخدام العقلاني للموارد المائية المتوفرة في الوقت الحاضر، لغرض التلبية الافضل لمتطلبات السكان المائية والغذائية ويقترح بعض الاجراءات الواجب اتباعها لاستخدام امثل للمياه من اهمها:
أ ـ التوقف عن زراعة المحاصيل الشرهة للماء كالموز والارز في مصر والسودان.
ب ـ تقليل الاعتماد على الطاقة الكهرومائية، نظرا لمتطلباتها المائية العالية، والاستعاضة عنها بمحطات الوقود.
ج ـ اقامة المزيد من المنشآت المالية.
د ـ اعادة تقييم اساليب الري المعتمدة، وادخال اساليب الري الحديثة التي ستوفر ما قدره 40 ـ 50 في المائة من المياه المهدورة.
الفصل الاخير يخصصه الباحث للمقارنة بين الاحواض المائية الرئيسية في الشرق الأوسط (دجلة والفرات والاردن والنيل)، حيث تمثل هذه الاحواض المستويات الخطرة لأزمة المياه في الشرق الأوسط التي يمكن ان تتفاقم بسبب التوتر وعدم الاستقرار السياسي الذي تشهده المنطقة، الامر الذي قد يؤدي الى تصيد اجواء الحرب في المستقبل القريب بغية تأمين المتطلبات المائية اللازمة. وهذا الامر زاد من الاهتمام الاقليمي والدولي بمشاكل المياه في الشرق الاوسط، حيث تتشابك المصالح الدولية، بسبب احتواء المنطقة على المصدر الرئيسي للطاقة (النفط)، مما ادى الى عقد المؤتمرات الاقليمية والدولية لتلافي الصراع الذي قد يحدث بين دول المنطقة بسبب المياه. وبهذا الصدد يورد الباحث اهم السبل لتلافي «حروب المستقبل» في المنطقة، ومن اهمها:
1 ـ احترام قواعد واحكام القانون الدولي المتعلق بتنظيم مياه الانهار الدولية.
2 ـ عدم استخدام المياه كسلاح او كأداة ضغط سياسي من قبل دول المنبع ضد دول المصب.
3 ـ التمسك بمبدأ، ان تكون المياه اساسا للتعاون لا سببا لنشوب الحروب.
4 ـ حث المنظمات الدولية (البنك الدولي، الفاو، وكالة التنمية الدولية... وغيرها) على منح المساعدات والقروض اللازمة للدول الشرق أوسطية التي تلتزم قواعد القانون الدولي بشأن المياه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق